الجمهورية: البلد على نار والحكومة في الثلاجة.. وجنون الدولار يجدّد ثورة 17 تشرين

تفجّر الغضب الشعبي بعنف أمس بفعل جنون سعر الدولار الذي ‏تجاوز العشرة آلاف ليرة وتدهور قيمة العملة الوطنية، ما أعاد مشهد ‏الشارع الى ثورة 17 تشرين الاول 2019 التي يبدو انها تجدّدت وقد ‏تكون هذه المرة اكثر عنفاً في ظل استمرار عجز السلطة عن لجم ‏الانهيار الاقتصادي والمالي والمعيشي الذي بلغ مستويات خطيرة، ‏وتلهّي المنظومة السياسية بنزاع حول حكومة لم تولد بعد. وبَدا ‏المشهد أمس انّ البلد على نار ويحترق او هو على فوهة بركان، فيما ‏الحكومة الموعودة في الثلاجة تنتظر توافقاً يعوقه تضارب المصالح ‏بين المعنيين غير العابئين بما يصيب الناس من جوع ومن فقر طرق ‏أبوابهم بشدّة ما دفعهم للنزول الى الشارع. وقد دلّت التحركات ‏الشعبية أمس الى أنّها ستشهد فصولاً متلاحقة ستغيب معها كلّ ‏الدعوات وكل الشعارات الداعية الى حلول في الداخل او من الخارج، ‏خصوصاً أنّ المعنيين أثبتوا بالدليل القاطع أنهم لا يقيمون للبلد ‏ومصيره أي اعتبار، وأنهم مستعدّون لدفاع مستميت عن مصالحهم ‏حتى لو تحوّل البلد رماداً، مُمعنين في التصرف وكأنه في ألف خير؟!‏

على وقع ثورة الغضب التي عمّت بيروت وغالبية المناطق اللبنانية ‏التي فجرها ارتفاع سعر الدولار الى عشرة آلاف ليرة، قال مصدر ‏سياسي بارز ومطلع على مسار تشكيل الحكومة لـ”الجمهورية”: “في ‏بلد يعيش حياة سياسية طبيعية انّ مشهد اليوم (الامس) يفترض ان ‏يأتي بحكومة على دولاب مشتعل ومنطق الامور يحتّم اتخاذ قرارات ‏سريعة وتنازلات واجتماعات مكثفة لتحريك الحل، لكن في لبنان الامور ‏تختلف فلا حياة في السياسة ولا منطق ولا من يحزنون، وأقصى الامور ‏انّ المعنيين شغّلوا التلفاز وتفرجوا على مشهد تقطيع اوصال البلد ‏واشتعال النيران وربما أسرعوا في إطفاء التلفاز حتى لا يخدشوا ‏هدوءهم”.‏

‏ ‏واضاف المصدر “انّ سيناريو الخروج بحل على الحامي اصبح ‏مستبعداً مع تشبّث كل فريق بموقفه وغياب المساعي الجدية ‏لتقريب المسافات واذا وجدت لا تجاوب معها”. وكشف المصدر انّ ‏الرئيس المكلف تأليف الحكومة سعد الحريري ومنذ عودته من الخارج ‏لم يتواصل مع احد ولم يسمع عنه شيء وعاد الى دوامة الانتظار، ‏فهو ينتظر اتصالاً من رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ليناقش ‏معه فقط ما كان قد أودعه لديه، فإمّا يوافق او لا يوافق ولا نقاش ‏معه لا في توسيع حجم حكومة ولا في 6 وزراء لـ”التيار الوطني الحر” ‏ولا في حقيبة وزارة الداخلية المتمسّك بها، والرئيس عون على موقفه ‏‏”هيك ما بيمشي الحال” والجانب الفرنسي “غَط وطار وما ضرب ولا ‏ضربة” منذ عشاء الاليزيه وما تَبعه من زيارة للحريري الى قصر بعبدا، ‏‏”فقد وعد بممارسة ضغط كبير ثم فَرمل”. وتخوّف المصدر من ‏‏”ذهاب مسار الاوضاع الى الاسوأ الى حد تصعب فيه الحلول، فحتى ‏تشكيل حكومة لا يفتح باب الفرج”. وسأل: هل كبرت كرة النار الى حد ‏لم يعد يريد أحد تلقّفها لئلا يحترق معها؟!”.‏

‏ ‏أسباب ارتفاع الدولار

وأبلغت اوساط مطلعة الى “الجمهورية” انّ ارتفاع سعر الدولار حتى ‏العشرة آلاف ليرة يعود إلى الأسباب الآتية:‏

‏- مبادرة بعض المصارف الى “شفط” الدولار من السوق لرفع ‏رساميلها، وفق ما طلبه مصرف لبنان لمركزي.‏

‏- إعادة فتح الأسواق بعد إقفال الأسابيع الماضية، وحاجة التجار الى ‏الحصول على الدولار لشراء بضاعة جديدة.‏

ـ إنسداد كل المنافذ السياسية وافتقاد الناس الى الامل والأمان ما ‏يدفعهم الى استبدال ما يملكونه من ليرات بالدولار تحسّباً للمجهول.‏

وتعتبر الاوساط انه والى جانب تأثير العوامل المستجدة على سعر ‏الدولار، توجد اسباب أخرى تتعلق بالازمة البنيوية للاقتصاد، والتي لم ‏تعد تنفع معها المعالجات التقليدية وحماسة البعض للعودة الى ‏الموديل الاقتصادي القديم.‏

ومع تجدد التحركات الشعبية الاحتجاجية في الشارع، نُقل عن مرجع ‏سياسي غضبه الشديد ممّا آلت اليه الأمور قائلاً: “استغرب كيف أنّ ‏الناس تأخروا حتى يثوروا، وكيف انّ نقمتهم لا تزال ضمن هذه ‏الحدود؟”.‏

‏ ‏الليرة بلا سقف

ومع وصول سعر صرف الدولار في السوق السوداء الى 10 آلاف ليرة، ‏دخل البلد مالياً واقتصادياً في مرحلة خطيرة، وأصبحت عملته بلا ‏سقف. ومع استمرار الانكماش الاقتصادي والانهيار التام، وانسداد ‏الافق، والحاجة الاضافية الى الدولارات الطازجة، تبدو احتمالات ‏استمرار انهيار الليرة قائمة، وربما مُرجّحة. ويبدو الانهيار بلا قعر، ‏خصوصاً انّ حجم الودائع المحتجزة كبير، والحاجة الى السماح بتحرير ‏بعض الاموال الدولارية بالليرة قائمة. كذلك، فإنّ العجز في الموازنة ‏يحتّم طباعة المزيد من العملة الوطنية. واذا أضفنا العامل النفسي ‏الذي سينتج عن خرق سقف العشرة آلاف ليرة، يمكن الاستنتاج انّ ‏البلد دخل في مرحلة أصعب من سابقاتها، وانّ نسب تفشّي الفقر ‏ستنمو بوتيرة يصبح معها التكهّن بالآتي مثيراً للرعب.‏

‏ ‏التحركات المتدحرجة

وفي ظل الحراك الواسع والشامل، تجدد منظر قطع الطرق في ‏معظم المناطق اللبنانية بطريقة أوحت استعادة دور المنسقيات ‏الثورية التي نظمت الثورة في 17 تشرين العام 2019. وقالت مصادر ‏أمنية لـ”الجمهورية” انّ التحركات “المتدحرجة” التي انطلقت من ‏نقاط اساسية ومركزية من جل الديب الى وسط بيروت والمفترقات ‏المؤدية اليها وجسرالرينغ قبل ان تتوسّع في اتجاه المحطات التي ‏سجلت في تلك المرحلة، أوحَت بوجود قرار منظّم نتيجة التنسيق الذي ‏تجدد في الفترة الأخيرة بين مكونات الثورة، وهو ما ترجمته التحركات ‏الكبيرة التي توسّعت في اتجاه النبطية ومناطق مختلفة على طريق ‏الجنوب، ومنها الى البقاع وبعلبك وشمال لبنان في طرابلس وعكار.‏

‏ ‏تحذيرات للمسؤولين

ولفتت هذه المراجع عبر “الجمهورية” الى انّ ما حصل لم يكن ‏مستغربا، لا بل انّ التقارير الامنية التي رُفعت الى المراجع السياسية ‏والحكومية حذرت منذ فترة طويلة من مثل هذه التحركات واعتبرتها ‏طبيعية جداً، فما بلغه الانهيار الاقتصادي والاجتماعي تخطّى كل ‏السقوف المحتملة، وانّ بعض التحركات لا تحتاج الى قرار سياسي ‏بمقدار ما ظهر انّ هناك قرارا شعبيا بالانضمام عفويا الى الحراك.‏

‏ ‏بيانات ثورية اليوم

وقالت مصادر في بعض التنسيقيات الثورية لـ”الجمهورية” انّ ‏الحديث عن ربط الحراك الشعبي بارتفاع سعر الدولار الى ما فوق ‏العشرة آلاف ليرة، ليس السبب الاساسي وحسب إنما هو مرتبط بتعثر ‏الحكومة والسلطة في مواجهة اي أزمة بوجوهها الاقتصادية والنقدية ‏والاجتماعية في البلاد، عدا عن الكلفة الحادة للخدمات الطبية ‏والإستشفائية. وتوقعت هذه المصادر ان تصدر عن التنسيقيات ‏الثورية اليوم بيانات تحدد أطر الحراك الجديد ومبتغاه في وقت قريب ‏وعلى المدى البعيد.‏

‏ ‏لا صدامات

ولاحظت المصادر انّ الصدامات بين الجيش والقوى الأمنية ‏والمتظاهرين كانت محدودة جداً، خصوصاً عندما ناشد المعترضون ‏العسكريين بالانضمام إليهم، ذلك انّ رواتبهم ومداخيلهم بلغت الدرجة ‏الدنيا، وانّ معاناتهم نتيجة الوضع المعيشي كبرت كما جميع ‏المواطنين الى حدود لا تحتمل ايضاً.‏

‏ ‏الاحتجاجات

وكانت شرارة الاحتجاجات قد انطلقت صباح أمس من طرابلس، حيث ‏قطع المحتجّون أوتوستراد بيروت عند جسر البالما والطريق عند ساحة ‏عبد الحميد كرامي، ولاحقاً نزل محتجّون على الأوضاع الإقتصادية ‏وقطعوا الطريق في بلدة سعدنايل البقاعية.‏

وفي الزوق، تمكنّ المحتجون مساء من قطع الأوتوستراد في ‏الإتجاهين، حيث ركنت السيارات في وسط الأوتوستراد، ووضعوا ‏الحجارة الإسمنتية لإقفال الأوتوستراد في الاتجاهين نهائياً، على وقع ‏تزايد عدد المحتجّين الغاضبين ممّا آلت اليه الأوضاع الإقتصادية ‏والمالية والحكومية.‏

وأقفل المحتجون الطرق في جبيل وحالات وغزير وصولاً الى جل ‏الديب في الاتجاهين وصولاً الى محلة الدورة، وتمّ تحويل السير الى ‏الطرق الداخلية، ورفع المحتجون العلم اللبناني، وعبّروا عن غضبهم ‏وسخطهم الكبيرين، وندّدوا بالسلطة الحاكمة وأدائها.‏

توازياً، قطع محتجون الطريق في ساحة الشهداء عند مسجد محمد ‏الأمين وسط بيروت بالإطارات المشتعلة والحجارة، احتجاجاً على تردّي ‏الاوضاع المعيشية وانهيار الليرة.‏

كذلك، قطع عدد من الشبّان الطريق عند جسر الرينغ في الاتجاهين. ‏فيما قطع محتجون طريق بشارة الخوري في الاتجاهين. وأفيد عن ‏قطع الطريق عند تقاطع فردان – قريطم، قرب دار الطائفة الدرزية.‏

كذلك، أفادت غرفة التحكم المروري عن قطع السير على طريق ‏المطار القديمة قبالة مستشفى الرسول الاعظم بالاتجاهين وتحويل ‏السير الى الطرق الفرعية.‏

وترافق ذلك مع قطع طريق الشفروليه – فرن الشباك، وقصقص، ‏وكورنيش المزرعة بالإطارات المشتعلة، فضلاً عن قطع الطريق ‏الساحلية الى الجنوب في محلة الجية الى طرق في الجنوب والبقاع.‏

‏ ‏نفي رئاسي

ومن جهة ثانية، وفي غياب اي لقاء او اتصال في شأن ملف تأليف ‏الحكومة العتيدة أصدر مكتب الاعلام في رئاسة الجمهورية بياناً اتخذ ‏صفة “العاجل”، نفى فيه ما نُسب الى رئيس الجمهورية معتبراً “ان ‏هذا الكلام لا أساس له من الصحة جملة وتفصيلاً”. وطلب العودة اليه ‏‏”في كل ما يتعلق بمواقف رئيس الجمهورية في أي موضوع كان”.‏

وكانت احدى وسائل الاعلام قد نشرت نقلا عن زوار عون تشكيكه “في ‏نية الرئيس المكلف بتأليف الحكومة بالتحالف مع الرئيس نبيه بري ‏والنائب السابق وليد حنبلاط وآخرين – تأليف حكومة متوازنة”، معتبرا ‏انّ “هذا الحلف يضم إليه حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، وانّ ‏الهدف من الضغوط تأليف حكومة تكون قادرة على السيطرة على ‏الأمور وتمنع التحقيق الجنائي في حسابات مصرف لبنان، وتعطيل ‏إمكان استعادة الحوار السياسي بين القوى اللبنانية المختلفة”. واشار ‏عون الى “وجود من يستقوي بالخارج”، مؤكداً انه “لن يتخلى عن دور ‏الشريك من دون مجاملة او مواربة”.‏

وفي معلومات “الجمهورية” انّ عون عبّر صباحاً عن استيائه ممّا نقل ‏عنه وطلبَ، بالإضافة الى اصدار بيان النفي، فتح تحقيق “لمعرفة ‏مصادر المعلومات والغاية من فَبركتها”.‏

‏ ‏شينكر والترسيم

من جهة ثانية، عاوَد مساعد وزير الخارجية الأميركية السابق ديفيد ‏شنكر فتح ملف ترسيم الحدود المجمد منذ اشهر في انتظار الدعوة ‏الاميركية لاستئناف المفاوضات في شأنه بين لبنان واسرائيل، فقال ‏في حوار مع قناة “العربية ـ الحدث”: “إنّ الجانب اللبناني كان متعاوناً ‏في بداية مفاوضات ترسيم الحدود مع إسرائيل، لكنه عاد وتراجع ‏وكانت مطالبه تعجيزية خلال المفاوضات مع إسرائيل”. وأضاف: “رغم ‏الواقع الاقتصادي المذري إلّا أنّ الحكومة اللبنانية ليست على عجلة ‏من أمرها والشعب اللبناني يعيش مأساة حقيقية بسبب ممارسات ‏حكومته”.‏

واعتبر شينكر انّ “حزب الله لا يكترث ولا تعنيه مصلحة الشعب ‏اللبناني، والسلطة اللبنانية تعاملت مع المفاوضات مع إسرائيل ‏باستهتار كما فعلت في انفجار مرفأ بيروت، وأتمنى على إدارة الرئيس ‏جو بايدن أن تعتبر لبنان أولوية، ويجب عليها أن تُشعر اللبنانيين ‏بعواقب تساهلها مع الفساد وتجاوزات حزب الله”. وقال: “بغضّ النظر ‏عن شكل الإدارة الأميركية يجب إبقاء تصنيف “حزب الله” منظمة ‏إرهابية”. وأشار الى انه “في حال اقتربت إيران من امتلاك سلاح نووي ‏فإنّ إسرائيل ستمنعها في شكل أحادي، وإسرائيل ستقوم بضربات ‏استباقية لمنع إيران من تطوير السلاح النووي”.‏

‏ ‏كورونا

على الصعيد الصحي، سجّل امس ارتفاع ملحوظ في عدد الاصابات ‏بفيروس كورونا حيث أعلنت وزارة الصحة العامّة في تقريرها اليومي ‏تسجيل 3098 إصابة جديدة (3087 محلية و11 وافدة) ليصبح العدد ‏الإجمالي للإصابات 380019، كذلك سجلت 62 حالة وفاة جديدة ليصبح ‏العدد الإجمالي للوفيات 4805.‏

Leave A Reply